أرسل أحد التجار ابنه ليتعلم من حكيم.. مشي الفتى أياماً حتى وصل إلى قصر جميل ، فيه يسكن الحكيم.. دخل الفتى القصر فإذا جمعٌ غفيرٌ من الناس كلهم يطلب الحكمة ..انتظر ساعات حتى جاء دوره..أنصت إليه الحكيم بانتباه ثم قال له: أي بُنَي: خذ أولا جولةً في القصر و ما حوله ثم عُد، وأضاف الحكيم وهو يناول الفتى ملعقة صغيرة مِلْؤُها الزيت:وأَمْسِكْ بهذه الملعقة في يدك وإياك أن ينسكب منها الزيت..أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط ويجول في أركان القصر و ما حوله وقد ثَبَّت عينيه على ملعقة الزيت ثم رجع بعد ساعة لمقابلة الحكيم الذي سأله :هل رأيت السجاد الفارسي ؟ والحديقة الجميلة وما فيها من أشجار وأزهار؟ وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي ؟ ..ارتبك الفتى مُقرًا بأن شيئا من ذلك لم يكن ..فقد كان هَمُّه الأول ألا ينسكب الزيت.. قال الحكيم: ارجع وتَبَيَّنْ معالم القصر.. لا يمكنك التعلم من شخصٍ ما تَعَرَّفْتَ على المكان الذي يعيش فيه ..أعاد الفتى جولته.. تَفَحَّصَ اللوحات الفنية على الجدران ..والحديقة وما فيها من أشجار و أزهار.. شاهد بناء القصر وزخارفه .. عايَنَ السجاد والبُسُط.. قَلَّبَ ناظريه بين عناوين الكتب .. رجع إلي الحكيم فقص عليه أدق التفاصيل.. سأله الحكيم : ولكن أين الزيت ؟ ..نظر الفتى إلى الملعقة فإذا هي فارغة .. لقد انسكب الزيت منها أثناء جولته وهو لا يدرى.. قال الحكيم: هذا أول درسٍ أريدك أن تحفظه.. أن الخير يا بُني في تحقيق التوازن بين المتعارضين..وَعَى الفتى الدرس وقد تعلم ألا يُلْقِى أوامر الدين جانبا في مقابل التمتع بمباهج الدنيا المُحَرَّمة ولكن يتمتع في نطاق ما أحل الله، وصدق الله إذ يقول: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا).