ماذا يجرى حول منابع النيل ؟!
الكيان الصهيونى الثانى فى جنوب السودان
بقلم / حامد بن عبد الله العلى
لم تكن إشادة الأمريكيين وحلفائهم بانتخابات السودان الأخيرة من أجل سواد عيون السودان، حتى قال فيليب كراولي: "نحن راضون عن العملية الانتخابية"، بـل لم يكن ذلك إلاَّ لأنهـا الطريق الأقرب إلى ميلاد الكيان الصهيوني الجديد في جنوب السودان!
ولقد استعمل الغرب كعادته أدواته الدولية التي يتلاعب بها كيفما شاء، مثـل (الجنائية الدولية) في قضية ملاحقة البشير للضغط، والإبتزاز، والمساومة، كما استعـمل كلّ ما يحمله السودان من تناقضات سياسية، وعرقية، وإثنية، وحزبية، وما يثقـل كاهلـه من مشكلات، وكلّ ما يلزم للوصول إلى الاستفتاء الذي يعـلن ميلاد الكيان الصهيوني الصليبي المسخ في جنوب السودان.
كما قـد خطّط التحالف الصهيوغربي في إطار خطّته الاستراتيجية التي يُطلق عليه (تحالف المحيط) أي المناطـق والدول المحيطة بالدول العربية، للوصول إلى هذا الهدف، خطـّط منذ مدة طويلة، حتى نجـح أخيـراً بما يُسمى باتفاق نيفاشا 2005م الذي أعطى الجنوب حق الانفصال.
وفي مؤتمر إيباك الماضي أعلن الصهاينة عزمهم توفير كلّ ما يحتاجـه جنوب السودان في حال الانفصال إلى دعـم سياسي، واقتصادي، وأمني للدولة الناشئة!
وبدوره أشاد أزيكيل بول ممثـّل الحركة الشعبية في جنوب السودان، أشـاد بجهـود الصهاينة لدعـم الانفصال، بل قـدّم طلبا يشتمـل على جميع احتياجات الجنوب إذا حقـّق الانفصال، من مشاريع الريّ إلى بناء مؤسسات الدولة المدنية مرورا بالمؤسسات الأمنية!
أما أمريكا فقد أعطت الحركة الشعبية قنصلية ووضعاً دبلوماسياً متميزاً، مثل تايوان، وتيـمور الشرقية، والتكاليف تتحمّلها أمريكا!
وإنـَّه وللأسف الشديد يتحرك النشاط الصهيوني المعادي للإسلام، في تلك المنطقة المهمّة في العالـم بعيدا عن الأنظار وفي عتمـة شديدة، ليس سببها قطعـاً كونها إفريقيا السوداء، بل لعـدم الاهتمام الكافي بهــا، رغـم كون الصراع الدولي القادم سيكون في جزء كبير _ إن لم يكن الأكبـر _ فيهـا وعليها.
وحقـاً وليس من المبالغة القول إنَّ تسعة أعشار كنوز العالم هي في إفريقيـا، وأنه لولا النهب الغربي لتلك الكنوز في القرنين الماضيين، لما وصل الغرب إلى ما وصل إليه من تحوله إلى ثقـل الاقتصاد العالمي، ثم تربعه على مركز التحكم في العالم...
ولهذا فلا عجب أن يقـيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع 46 دولة أفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما بأن للصهاينة 72 سفارة، و13 قنصلية، و4 بعثات خاصة على مستوى العالم.
وهذا يعني أنَّ البعثات الدبلوماسية الصهيونية في أفريقيا بالمقارنة مع بعثاتها في العالم تشكل 48%، وهذا يعني أن نصف الحراك السياسي الصهيوني في العالم هو في إفريقيـا...
إنـّه يعـلم أهمية القارة الأفريقيـة، وما ستقدمه من مكاسب لم يكن يحلم بها، على جميع المستويـات، وأهمّهـا الاقتصاديـة.
ومن أهـمّ أهداف التحالف الصهيوغربي في شرق أفريقيا هو السيطرة على مياه النيل، واستغلالها لتحقيق مكاسب كبيرة جداً، من أهمّهـا محاصرة مصر بوضع اليد على منابع النيل.
وقـد كان المراقبون يتعجّبـون من الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الصهيوني ليبرلمان إلى دول حوض النيل، حتى تفاجـأ الجميـع بالإعـلان عن اتفاقية تقاسم مياه النيل، وبناء السدود على منابعه، مما جعل مصـر تعترض بشدة على هذه الاتفاقية، التي سـوف تضرها ضررا بالغـا.
ثم تبيـّن أنّ الصهاينة كانوا قد قدموا إلى بعض دول منبع النيل دراسات تشتمل على برامج متكاملة لبناء ثلاثة سدود منذ أعـوام مضـت.
كما كشفت صحيفة من جنوب أفريقيا هي راندي ديلي ميل في يناير من هذا العام، أنَّ اجتماعات عقدت في الكيان الصهيوني بين أعضاء بالكونغرس الصهيوني، ووزراء أثيوبيين، تم خلالها الاتفاق على إنشاء مشاريع مشتركة عند منابع نهـر النيل، منها إقامـة سـدود كبيرة...
هذا ما تم الكشف عنه، وما لم ينشـر أدهـى وأمـر، والخلاصة أن انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة داعمة للكيان الصهيوني، بل كيان صهيوني ثاني في دولة هي أحـد أهـم دول منبع النيـل، يعني كارثـة عظمى ستقع على الأمّة الإسلاميـّة!!
ولاريب أنَّ أعظـم أسباب هذه الكارثـة، تفـرق الأمـّة شـذرَ مـذر، وتخلـّي أنظمتها السياسية عن مشروعها الحضاري العالمي إلى الشؤون الداخلية، ثم اختزال هذا الاهتمام بالحفاظ على الكرسي وتوريثه فحسـب!
في حين يتحـرّك التحالف الصهيوغربي في إطـار عالمي ليطـوّق الأمة، ثم يجعل هذا الحصـار أحـد وسائل التحكم في الأنظمـة، وتوجيهها للإمعان في محاربة الإسلام، وتمزيق الحضارة الإسلامية.
وإذا ضربنا الحالـة المصرية على هذا مثـلا، فهو أوضح الأمثلة، فقد فشل النظام المصري الحالي رغم مركزية دور مصر وأثره المحوري على الأمّة بأسرها على جميع المستويات الخارجية، كما فقـد جميع الملفـات، حتـى إذا لم يبق له إلاّ (معبر رفح) لم يصنع به شيئا سوى أن لفـّه على عنقه فخنـق به نفسه!
فلمـّا سُقـط في يده، وفقـد نفوذه الخارجي، وتقلـّص دوره، وقـع في شـرَكِ حصار يهدده حتى في شريان الحياة نفسه، وذلك بإقامـة سدود على النيل، ولم يستفد شيئا من تطبيعه مع الصهاينة سوى مزيد من المؤامـرات الصهيونية على مصـر.
وقـد ذكرنا مراراً أنّ تحالف الشـرّ الصهيوغربي لا يقيـم وزنـا للحدود الدولية، ولا معنـى عنـده لسيادة الدول في سبيل تحقيـق أهدافه التي على رأسها بقاؤه مهيمنا على العالم، وإبقاء الإسلام ضعيفا، إن لم يتمكـن إبادته.
وهو في الوقت الذي يعزز في أمتنا الشعارات الزائفة عن الوطنيات المصطنعـة ليمعن في تمزيقنـا، ينظـر إلينـا وهو يشـنُّ الغارة على العالم الإسلامي على أننـّا أمـة واحدة، يجب أن يبيد حضارتها من الخارج والداخـل...
ونحن بهذه المناسبة التي كتبنـا فيها عن خطر ولادة هذا الكيان الصهيوني في جنوب السودان، نعيد التذكير بما يقع على كاهل الجهاد الصومالي من مسؤولية عظمى، للتصدّي للمخطَّط الصهيوغربي على الصومال خاصة، وعلى إفريقيا المسلمة عامة...
وأنـّه يجـب على المشروع الجهادي الصومالي كما ذكرنا سابقـا عند أوّل تشكل المشروع الخدعـة الإسلاأمريكي! أن يضع نصب عينه أن يتحـوّل إلى منطلـق مشروع التصدّي للعدوّ الصهيوغربي في إفريقـيا كلَّها، فإنـّه لا يقل خطـورة عن غيره من مشاريع هذا المحور الشرير على أمتنـا الإسلامية من جاكرتا، إلى أقصى حجر في المغرب العربـي.
ولهـذا يجـب أن يكلّلوا جهود المصالحة التي تجري الآن على قدم وساق بين التيارات الجهادية بالنجـاح، كما يجب أن ينتبه المشروع الجهادي في الصومال للأخطاء التي وقعت فيها مشاريع جهاديـة أخرى _ بيّنـاها في محاضرة نقد المسيرة الجهادية _ حتى لا تتكـرَّر...
كمـا يبني على إنجازاتها العظيمـة التي رفعت رأس الأمّة في أحلك زمانها.
كما نحمل الدعاة، والعلماء، والمفكرين الإسلاميين مسؤوليتهم لمزيـد من العنايـة والاهتمام بالقرن الإفريقي، وقضايا الأمة فيه، وذلك في إطار مشروع ثقافـي أممـي يزيـّف خطاب الخنـوع والذلّ الذي يُروَّج على ألسـنة فقهاء التسـوّل، تحت شعار (الوسطيّة) الزائـف، ويشجـّع ثقافة الجهـاد، والمقاومة، والعـزّة...
ويستنهض الأمـّة لمواجهة الغارة التي يشنّها الأعـداء على أمتنـا.
والله المستعان، وحسبنا الله، عليه توكّلنـا، وعليه فليتوكـّل المتوكّلـون